نقل الإحساس بالكلمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من المسلّم به أن اللغة العربية لغة القرآن الكريم تمتلك من الجماليات ما يصعب أحيان على المرء أن يحصرها في عجلته هذه.
و من الجميل أن يقف المرء عند بعضها حتى نتذوق حلاوة لغتنا و جمال لفظها، لا ليثبت شيئاً لأجلها، بل ليكشف ولو جزاء بسيطاً من جماليات هذه اللغة الكريمة.
أقول لكم ذلك بعد أن استوقفتني آية من آيات الذكر الحكيم في سورة يوسف تحمل من الدلالات و الإيحاءات الشيء الكثير و الكثير.
و حتى يكون لكلمات هذه صدى في قلوبكم، دعوني أو ضِّح لكم المسألة الآتية:
يقول البلاغيون: ( إن الزيادة في المبنى تؤدي إلى زيادة في المعنى )
فلو نظرتَ أخي الكريم إلى الفعل الثلاثي المجرد( غَلَقَ ) لوجدتَ أن جذره الثلاثي يتكون من حرف الغين و اللام و القاف تعنى أوصد و أطبق و سد.
فالكلمة بأصل وضعها جاءت على هذا المعنى، و لذا نحن حين نسمع أحدهم يقول: غلق محمد الباب نفهم أنه أوصده و أطبقه و سدّه.
فإذا قال: غلَّقَ الباب، بتضعيف لام الفعل ( حرف الام )، عندها تتحقق القاعدة أعلاه، إذ زاد في مبني فعلها غلق حرف و هو اللام و ترتب على هذه الزيادة زيادة في معناه.
و لكم بعد الذي ذكرتُ أن تتدبروا ألان مع في قوله تعالى ( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه و غلَّقتْ الأبواب و قالت هيت لك قال معاذ الله إنَّه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون ) يوسف 23 .
و المعنى المضاف إلى المعاني السابقة الأصلية التي يحملها الفعل هو التكثير و المبالغة في المفعول، و هذا أحد معاني التضعيف العفل الثلاثي، و هذا يعني أن امرأة العزيز كانت حريصة كل الحرص على ألا يعلم بأمرها أحدٌ، فلكم أن تتخيلوا معنى ذلك الحرص الشديد منها، إذ لم تغلق الأبواب فحسب و إنما بالغت في إغلاقها. علمنا ذلك من خلال تضعيف الفعل.
فعبر المولى عز و جل عن هذا الإحساس بأن جعل الفعل مضعفاً لينقله إلينا كما كان موجوداً عند امرأة العزيز، كأنما نراها رأي العين تفعل ذلك أمامنا.
و نقل الإحساس بالكلمة الميتة ليس بالأمر اليسير الهين، و ذلك يدركه جيداً كل من حاول أن يأخذ قلماً ليكتب حرفاً يعبر به عمَّا يعتمل في صدره من معاني.
لذا يحتاج المرء منا إلى أكثر من الورقة و القلم لكي يعبر فقط بالحرف عما بداخله من مشاعر و أحاسيس.
فالكلمة ميتة إخوتي الكرام، و إنَّ ما يجعلها حية هو نحن إن امتلكنا بعضاً من مقوماتها الجمالية، و نحن لن نصل إلى ذلك بالتمني و إنما بكثرة القراءة و الدرس في كتاب الله و سنة رسوله و الإقتداء في بادئ الأمر بأساليب أعلام القلم قديماً و حديثاً.
منقول :lol!: